التغيرات الفسيولوجية والنفسية خلال فترة النفاس والعناية المثلى

تمثّل مرحلة ما بعد الولادة (النِفاس) فترة تعافي تستمر من ٦ إلى ٨ أسابيع، يحدث خلالها انقباض الرحم لطرد بقايا المشيمة ومنع النزيف، وشفاء أنسجة العجان، بالإضافة إلى تغييرات هرمونية تؤثر على الحالة النفسية للأم. تتطلب هذه المرحلة متابعة طبية دقيقة لضمان التعافي الطبيعي وتقليل المخاطر. يستعرض هذا المقال التغيرات الفسيولوجية والنفسية خلال النفاس، مع إرشادات طبية للعناية الأمثل.

آلام ما بعد الولادة

تنتهي الانقباضات القوية فور خروج المولود لكن يستمر الرحم في الانقباض لفصل المشيمة عن جدار الرحم وطردها. تستمر هذه الانقباضات حتى خروج المشيمة والأغشية بالكامل، وتنتهي الولادة الطبيعية حين إتمام ذلك. عادةً ما يُكمَل طرد المشيمة خلال ٣٠ دقيقة بعد ولادة الطفل، وغالباً ما يحدث ذلك في غضون ٥-١٥ دقيقة في المتوسط.

بعد خروج المشيمة، يواصل الرحم الانقباض بشكل متقطع للضغط على الأوعية الدموية في موقع المشيمة، وذلك لمنع النزيف المفرط. تشعر الأم بهذه الآلام على هيئة تقلصات تشبه المغص في أسفل البطن، وتبلغ ذروتها عادةً في اليوم الثاني أو الثالث بعد الولادة، ثم تبدأ في التراجع خلال أسبوع تقريبًا مع انكماش الرحم، وتنقطع تمامًا بعد عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي قبل الحمل.

عادةً ما تستغرق عملية انكماش الرحم حوالي ستة أسابيع بعد الولادة، وقد تختلف المدة قليلًا بين النساء، وتزداد في حالات تعدد الولادات أو الحمل بأكثر من جنين، لكنها عمومًا لا تتجاوز ٦–٨ أسابيع.

تساعد الرضاعة الطبيعية على تحفيز انقباضات الرحم من خلال إفراز هرمون الأوكسيتوسين، مما يُسرّع من عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي ويقلل من خطر النزيف الحاد.

العناية بمنطقة العجان

بعد الولادة الطبيعية - سواء حصلتِ على غرز بعد شق طبي في العجان (episiotomy) أو لم يستدعِ وجود غرز في حال تمزّق عفوي (spontaneous tear) - تمرّ أنسجة منطقة العجان بمرحلة شفاء متوقعة. إليكِ ما يجب توقعه وكيفية التعامل معها:

• كمادات الثلج: ضعي كمادات ثلج أو أكياس باردة (مع لفّها في قماش رقيق) على العجان لمدة ١٠-٢٠ دقيقة على المنطقة بعد الولادة إلى يومين أو ثلاثة لتقليل التورم والألم في المنطقة.
• مناديل الهاماميليس أو المناديل المخدّرة: تساعد على التسكين وآمنة في الفترة المبكرة بعد الولادة.
• الاستحمام بالماء الدافئ: انتظري ٢٤ ساعة بعد الولادة قبل الاستحمام، واستشيري طبيبكِ لتحديد الوقت الأمثل. استخدمي ملاءات ومناشف نظيفة، وتأكدّي من نظافة حوض الاستحمام في كل مرة.
• حمامات المقعدة (Sitz bath): بعد ٢٤ ساعة بعد الولادة بإمكانك الجلوس في ماء دافئ (ليس حاميًا) بعمق قليل لمدة ١٠-١٥ دقيقة، مرتين إلى ثلاث مرات يوميًا أو بعد كل حركة أمعاء، للتطهير والتخفيف من التورم و الألم.

• مسكنات الألم: استشيري طبيبكِ بشأن تناول الأدوية مثل الباراسيتامول لتخفيف. بعض المسكنات لها مخاطر محتملة على الرضيع أثناء الرضاعة . لذلك اسألي عن نوع المسكن الأمثل لوضعك والجرعة الموصى بها.

العناية بالجهاز الهضمي والبولي

حركة الأمعاء والإمساك: قد تشعر بعض النساء بالقلق حيال صلابة البراز أو الإمساك بعد الولادة. استشيري طبيبك حول تناول بعض المسهّلات الخفيفة أو أدوية تليين البراز أن تقلل من الإجهاد والألم عند التبرز. شرب كميات كافية من الماء وتناول الغذاء الغني بالألياف (فواكه، خضار، حبوب كاملة) لدعم انتظام حركة الأمعاء.

الألم عند التبوّل: من الشائع أن يكون التبوّل مؤلمًا خلال الأيام الاولى بعد الولادة، خصوصًا إذا كان هناك تورّم أو خياطة في العجان. يساعد استخدام بخّاخ ماء دافئ للشطف بعد التبول على التخفيف من الألم، ويميل الألم للتراجع خلال ٢٤-٤٨ ساعة. في حال وجود آلام و حرقان مع التبول، قومي باستشارة الطبيب.

تمارين قاع الحوض (Kegels): يمكن البدء بها عند الشعور بالراحة؛ فهي تحسن الدورة الدموية في المنطقـة وتدعم شفاء العضلات والمصرة. يمكنكِ أداء التمرين عبر شدّ عضلات قاع الحوض كما لو كنتِ تحاولين منع تسرب البول، ثمّ الاسترخاء، مع تكرار ذلك ١٠-١٥ مرة لمجموعتين يوميًّا.

الافرازات و النزيف بعد الولادة

اللوح (Lochea) هو النزيف المهبلي الطبيعي الذي يحدث بعد الولادة ويستمر أثناء فترة النفاس، ناتج عن انسلاخ بطانة الرحم وخروج بقايا المشيمة والسوائل. مع تماسك جدار الرحم وضمور حجمه الى الطبيعي قبل الحمل، تقل كمية النزف تدريجيًا.

مراحل اللوح وخصائصه

• اللوح الأحمر (Lochia Rubra): يمتدّ من يوم الولادة حتى اليوم الرابع أو الخامس. لون دموي فاتح أو أحمر قاني. قد يحتوي على جلطات صغيرة بحجم حبة العنب.
• اللوح المائي (Lochia Serosa): يبدأ من اليوم الخامس تقريبًا ويستمر حتى اليوم العاشر إلى الرابع عشر. لون وردي باهت أو بني مصفر. قوام أقل كثافة، ويحتوي على إفرازات مائية ومخاط وخلايا التهابية.
• اللوح الأبيض (Lochia Alba): يمتد من الأسبوع الثالث حتى الأسبوع السادس أو الثامن. لون أصفر أو أبيض مصفر. قوام خفيف وتشكل الإفرازات مصلاً شفّافًا ببطء.

المدة المتوقعة: يستمرُّ اللوح عادةً من 4 إلى 8 أسابيع بعد الولادة، مع تفاوت بسيط بين السيدات.

نصائح للعناية

• استخدمي فوطًا صحية مخصّصة للنفاس وغير معطرة، وغيّريها بانتظام.
• حافظي على نظافة المنطقة التناسلية بالغسل اليومي بالماء الفاتر وصابون طبي لطيف.
• تجنبي استخدام المعطرات المهبلية أو الدش المهبلي.
• ارتدي ملابس داخلية قطنية مريحة لتسهيل التهوية.

متى يستدعي الذهاب إلى الطبيب؟

• إذا ازدادت كمية النزيف فجأة أو عادت إلى اللون الأحمر القاني بعد أن كانت خفيفة.
• إذا ظهرت رائحة كريهة قوية للإفرازات.
• إذا صاحب النزيف آلام حادة أو حمى.
• إذا لاحظتِ جلطات كبيرة الحجم (أكبر من حجم كرة الغولف) متكررة.

الوزن بعد الولادة

• فقدان الوزن الفوري: تفقد معظم النساء نحو 6 كيلوغرام من وزنهن أثناء الولادة، ويشمل ذلك وزن الرضيع والمشيمة والسائل السلوي.
• فقدان السوائل المتبقية: في الأيام اللاحقة للولادة، ستفقدين وزنًا إضافيًا مع تخلص جسمك من السوائل المحتبسة.
• السعرات والرضاعة الطبيعية: يعتمد مقدار فقدان الوزن بعد ذلك على مدخولك من السعرات الحرارية ومستوى نشاطك؛ فالرضاعة الطبيعية تستهلك كمية إضافية من الطاقة (حوالي ٥٠٠ سعرة يوميًا) مما قد يسرّع فقدان الوزن.
• العودة إلى الوزن قبل الحمل: بعد استقرار وزنك الأساسي، يمكن أن يساعدكِ اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية – بعد استشارة طبيبك – في العودة إلى الوزن الذي كنتِ عليه قبل الحمل.
• المظهر بعد الولادة: لا تقلقي إذا بدا عليك أنك ما زلتِ حاملًا بعد الولادة؛ فهذا طبيعي ويستمر لفترة بسبب تمدّد عضلات البطن واحتباس بعض السوائل.

التعب والإعياء

التعب بعد الولادة شائعٌ وطبيعي، ويُعزى إلى عدة عوامل منها إجهاد المخاض والولادة، والتغيّرات الهرمونية، وفقدان الدم، وقلة النوم الناتجة عن رعاية المولود الجديد. يستمر الإعياء في فترة النقاهة المبكرة وقد يمتد لأسابيع أو أشهر.

أسباب التعب

• إفراز هرمون الأوكسيتوسين وانقباضات الرحم: تساهم الرضاعة الطبيعية في تحفيز انقباضات الرحم، وهي مفيدة للشفاء لكنها قد تزيد الإحساس بالإرهاق مؤقتًا.
• التغيّرات الهرمونية: انخفاض هرمونات الحمل يصاحبه تغير في الطاقة والمزاج.
• قلة النوم: اضطراب النوم مع إيقاظات مستمرة لإرضاع الطفل أو مراقبته.
• الشفاء البدني: شفاء الأنسجة بعد الولادة الطبيعية أو القيصرية يستهلك طاقة إضافية.

متى يصبح التعب مقلقًا؟

• صعوبةٍ مفرطة في أداء المهام اليومية رغم النوم الكافي
• اكتئاب شديد أو أفكار سلبية مستمرة
• ألم جسدي حاد لا يتحسن
• في هذه الحالة يُستحسن استشارة الطبيب للتحقق من عدم وجود مضاعفات أو اضطراب اكتئابي بعد الولادة

نصائح للتخفيف

• خذي قيلولة كلما أتيح لك الوقت، خصوصًا أثناء نوم الطفل.
• الاستعانة بالأشخاص المحيطين بالأم للمساعدة في الأعمال المنزلية.
• الترتيب مع الزوج بشكل مسبق لأخذ إجازة من العمل بعد الولادة إذا أمكن.
• حافظي على نظام غذائي متوازن غني بالبروتينات والخضروات والفواكه.
• اشربي كميات كافية من الماء، لا سيما أثناء الرضاعة.
• ابدئي بمشي خفيف عندما تسمحين حالتك، لتعزيز الدورة الدموية والطاقة.
• إذا استمر التعب الشديد أو ترافق مع أعراض نفسية أو جسدية غير معتادة، فعليك مراجعة مقدم الرعاية الصحية.

التغيرات الهرمونية وتأثيراتها بعد الولادة

• تساقط الشعر: بعد الحمل يرتفع هرمون الإستروجين، مما يقلل من تساقط الشعر؛ وعند عودته لمستوياته الطبيعية بعد الولادة يبدأ الشعر المتراكم في التساقط دفعة واحدة، غالبًا بعد الشهر الثاني أو الثالث.
• فرط التعرق الليلي: يستمر الجسم في التخلص من السوائل الزائدة من خلال التعرق أثناء النوم، وقد يلاحظ البعض ازدياد هذه الحالة في الأسابيع الأولى.
• جفاف الجلد: انخفاض مستويات الهرمونات مثل الإستروجين قد يؤدي إلى جفاف البشرة، فينصح بترطيب الجلد بانتظام واستخدام مرطبات لطيفة.
• تقلب المزاج: التغيرات الهرمونية السريعة تترافق أحيانًا مع تقلبات عاطفية حادة و اكتئاب النفاس؛ في حال استمرت أكثر من أسبوعين أو كانت شديدة، يُفضّل مراجعة الطبيب.
• التبول المتكرر: زيادة ضخ الدم وكميّة السوائل في الجسم تؤدي إلى عمل أكبر للكليتين والمثانة، فيزيد عدد مرات التبول.
• الجفاف المهبلي: تراجع هرمون الإستروجين بعد الولادة يسبب جفاف مخاطية المهبل أو قلة الرغبة الجنسية بسبب التغيرات الهرمونية والرضاعة؛ ، فينصح باستخدام مواد مرطبة مناسبة واستشارة الطبيب عند الحاجة . إذا شعرتِ بالإيلاج بألمٍ مستمر، أو عاد النزف، أو ظهرت علامات التهاب (حمى، ألم شديد)، فعليك استشارة مقدم الرعاية الصحية فورًا.

هذه التغيرات طبيعية وتختلف حدتها ومدة استمرارها من امرأة إلى أخرى. الحفاظ على ترطيب الجسم، والتغذية المتوازنة، و الراحة، والدعم النفسي يساعد في التخفيف من أعراضها وتسريع التعافي.

التغيرات الفسيولوجية والنفسية بعد الولادة (اكتئاب النفاس الخفيف) أو (baby blues)

التعب والتقلبات المزاجية بعد الولادة أمر شائع وطبيعي، ويُعرف بـ(اكتئاب النفاس الخفيف) أو (baby blues) ويصاحبه ما يلي:

• ظهور الأعراض في الأيام الأولى بعد الولادة: تبدأ عادةً خلال ٢-٣ أيام من الولادة وتصل ذروتها في اليومين الخامس والسادس، ثم تختفي غالبًا خلال أسبوعين دون علاج خاص.
• الأعراض الرئيسية: تقلبات المزاج، نوبات بكاء بدون سبب واضح، قلق، صعوبة في النوم أو أرق، شعور بالتعب والإرهاق العام.
• الفرق عن الاكتئاب ما بعد الولادة: الأعراض هنا أخف و مؤقتة وتتناقص تدريجيًا خلال أسبوعين؛ إذا استمرت أكثر من ١٤ يوم أو تفاقمت لتشمل أفكارًا سلبية شديدة، يجب مراجعة مقدم الرعاية الصحية للتأكد من عدم وجود اكتئاب ما بعد الولادة الحقيقي.

مراجعة الطبيب بعد الولادة

لضمان تعافي أمثل ومتابعة أي مشكلات مبكرة، توصي الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG) بأن تكون رعاية ما بعد الولادة عملية مستمرة تُقسّم إلى مرحلتين أساسيتين:

• الاتصال الأولي خلال الأسابيع الأول إلى الثالث بعد الولادة:
  • يُمكن أن يتم هذا الموعد هاتفيًّا أو وجهًا لوجه.
  • يهدف إلى مناقشة الآثار الحادة (ألم، نزيف، انقباضات رحمية، رضاعة، مزاج) والتأكد من استقرار الحالة الصحية للأم.
• الزيارة الشاملة قبل نهاية الأسبوع 12 بعد الولادة:
  • تُجرى عادًة في الفترة ما بين ٦-١٢ أسبوعًا، حسب ما يتناسب مع حالة كل أم.
  • تشمل فحصًا بدنيًا للبطن والرحم وعنق الرحم، تقييمًا للأجهزة البولية والهضمية، ومناقشة: الرضاعة والتغذية، الحالة النفسية والعاطفية، تحديد وسائل منع الحمل ومسألة التخطيط للحمل المستقبلي، إدارة أي أمراض مزمنة (سكري، ضغط، اضطرابات الغدة الدرقية).

إذا ظهرت لديكِ أي أعراض غير طبيعية في أي وقت كالحمى، أو زيادة النزيف، أو ألم شديد، أو اضطراب المزاج اتّصلي بمقدم الرعاية فوراً قبل الموعد المحدد.

الأسئلة الشائعة حول مرحلة النفاس بعد الولادة الطبيعية